الصحافة التوثيقية للكاتب عبد الله عبد الرحمن

التاريخ : 2019-03-27 (01:58 PM)   ،   المشاهدات : 40583   ،   التعليقات : 0


يسعدني ويشرفني المشاركة معكم في هذه الأمسية الثقافية المحتفية بالكتاب والكتُّاب في شهر القراءة فشكرا على الدعوة الكريمة وكل التحية والتقدير لجمعية الصحفيين صاحبة المبادرات والأهداف والرؤي المستقبلية الطموحة لخدمة شئون وشجون الصحافة والعاملين في بلاطها، خاصة وهي ترفع شعارا يعكس مرحلة الفضاء الإعلامي الرقمي التي تشهدها الدولة حالياً، سواء على صعيد المنصات والمواقع والصحف الإلكترونية أو على صعيد تنامي دور وسائل الإعلام الحديث التي تتضمن الشبكات الإعلامية الاجتماعية،

وشكرا لمجلس إدارة الجمعية على مبادرتها بتشكيل  مجلس الشرف الإعلامي الذي شرفت بعضويته وضم نخبة من الصحفيين والإعلاميين الإماراتيين. بينهم أسماء لامعة من الرعيل الأول في صحافة دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

================

 

قراءة في تجربتي في  ( الصحافة التوثيقية ) عنوان مبدع ومثير أشكر عليه زميلنا الأستاذ الإعلامي القدير والمتألق الأستاذ عبدالرحمن نقي،   

وفي شهر القراءة فإن الدعوة ستكون موجهة من هذه المنصة للقارئ العزيز ليشرفني بإقتناء الإصدارات التي تجمع في سلسة كتب منشورة حصيلة سنوات التجربة الصحفية التوثيقة والبحثية المعنية، خاصة (الإمارات في ذاكرة أبناءها) بأجزائها الثلاثة، وطبعاتها المتعددة، وكذلك النسخة الإنجليزية لمختارات من محتويات تلك الأجزاء، ومن ثم الجزء الأول من سلسة (عميقا في الوطن) والصادر بعنوان (الظفرة البر والبحر) وقريبا ( الجزء الثاني) من هذه السلسلة إن شاء الله. وإعلاميا فإن التجربة المعنية شملت الكثير من الأعمال الإذاعية والتليفزيونية والإنتاج الوثائقي المتنوع. كما أن التجربة التوثيقية الصحفية المعنية تناولت أيضا مساهمات في التاريخ المبكر والتاريخ الإسلامي والحديث  للإمارات، صحفيا واذاعيا وتليفزيونيا.

 

إن القارئ هو الأكثر قدرة على ملاحظة وتمييز وتقييم أو تقويم خصوصيات المنهج لهذه التجربة المتواضعة في التوثيق الصحفي للتراث والثقافة الشعبية وذاكرة المكان في الإمارات .. وقبل أن أحاول الخوض في بعض تفاصيل منهجية العمل الصحفي التخصصي الذي نحن بصدده هنا، وكذلك الحصيلة التراكمية للمواد عبر سنوات الإرتحال الميداني في رحابة أرض الوطن برا وبحرا، والحوارات المطولة في مجالس الأجداد والآباء، فإنه يشرفني في سياق هذا المحور الأول من العنوان المعني بخصوصية منهج التجربة التوقف مع مختارات موجزة لكلمات أولئك الأستاذة والكتاب والأدباء من رموز الثقافة والمجتمع الأكاديمي والإعلامي الذين قدموا للإصدارات أو واكبوا سنوات النشر الصحفي أولا بأول، وكتبوا عنها في الصحف والمجلات المتخصصة:

 

معالي محمد  المر :

 

لو أن هيئة حكومية أو خاصة إعلامية تعطي جائزة سنوية تقديرية وسألتني عن أفضل عمل صحافي في الإمارات لرشحت لتلك الجائزة ودون تردد تحقيقات ومقابلات الكاتب الصحافي «عبد الله عبد الرحمن»، التي نشرها كل خميس في جريدة الاتحاد تحت عنوان «فنجان قهوة».

الكاتب الصحافي «عبد الله عبد الرحمن» مع قلة من كتابنا الصحافيين المميزين استطاعوا الخروج من أسر الأعمدة الصحافية، والبدء بفن آخر من فنون الصحافة، وهو فن المقابلة الصحافية الذي بدأ به حياته الصحافية الكثير من عمالقة الصحافة العربية، مثل: هيكل، ومصطفى أمين، وأحمد بهاء الدين، وغيرهم.

سلسلة مقابلات «فنجان قهوة» التي أجراها «عبد الله عبد الرحمن» من أفضل الأعمال الصحافية في تاريخ الصحافة الإماراتية القصير، إنها مسح شامل لذاكرة عشرات من أبناء هذا الوطن من مختلف الطبقات الاجتماعية، وعن مختلف القنوات التاريخية. لقد استطاع «عبد الله عبد الرحمن» أن ينفذ بذكاء ولباقة إلى عقول وقلوب العشرات من أبناء هذا الوطن وأن يجعلهم يتكلمون بصراحة وصدق وعفوية عن حياتهم وتجاربهم الإنسانية، التقى مع الغواص وتاجر اللؤلؤ، مع المقاول والعامل، مع القاضي والمدرس، مع البحار والنوخذة، مع رجل الأعمال والموظف، مع الرجال والنساء، جعلهم يتكلمون بعفوية وصراحة بعيداً عن التعليب الإعلامي.

تتميز مقابلات «عبد الله عبد الرحمن» بكثرتها وإحاطتها وشمولها وعفويتها وصدقها.

إن مقابلات «عبد الله عبد الرحمن» التي نراها تطبع كلها من دون حذف أو تلخيص في كتاب من عدة أجزاء، ستصبح من أفضل المصادر في دراسة تاريخ المنطقة من جميع الزوايا الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية والإدارية، وستجعل لمؤلفها «عبد الله عبد الرحمن» مكانة خاصة في تاريخ الصحافة والكتابة في الإمارات.

إن أعمال «عبد الله عبد الرحمن» وما يماثلها من الأعمال الجادة والملتزمة والمنتجة هي التي ستبقى في ذاكرة شعبنا ووعيه التاريخي، أما تلك التنظيرات والكتابات الغامضة والسطحية فإنها وجدت من ضجيج وقتي، مصيرها الإهمال والنسيان، كما تقول الحكمة الإلهية: "فأما الزَّبد فيذهب جُفاء وأما ما ينفع الناس..."

--------------------------------------------------------

د. عبدالخالق عبدالله :

هذا الكتاب يبرز عمل صحافة واعية تبحث في التاريخ والتراث واستمرارهما، وتسجّل أحاديث وأفكار وانطباعات أبناء جيل من المهم جداً الاستماع إلى أحاسيسهم وإدراكهم ورأيهم في الأحداث، وقبل فوات الأوان.

وهذا الكتاب هو أيضاً خطوة رائدة في اتجاه التعرف إلى الماضي القريب. إن هذا الكتاب هو مدخل للتعرف على الأبعاد الثقافية والاجتماعية والحياتية للماضي، ولكن ليس كما يجب أن يكون الماضي وإنما كما هو، وكما تجسد في إدراك وعواطف وأحاسيس أفراد جيله.

لذلك فإن هذا الكتاب موجه للقارىء العادي المتلهف للحكايات والمعلومات التاريخية الممتعة، والتي تُسرد ببساطة ودون تحفظ. وهذا الكتاب هو أيضاً موجه إلى المواطن الواعي الذي يهمه أن يربط حاضره بالماضي، ويرى تواصل وتسلسل الأحداث وانتظامها، وتدفعه إلى التفكير، ويتبادر إلى ذهنه آلاف الأسئلة، ومن ثم يتعجب: من يصنع التاريخ؟ الأقلية أم الأغلبية؟ نحن أم هم؟ لكن هذا الكتاب يتوجه أيضاً ومباشرة إلى الأكاديمي والمتخصص، وإنه في الإمكان للمحلل والمتمكن من المنهجية أن يقرأ في هذه المقابلات التاريخ السياسي والفكري والاجتماعي، وكذلك في إمكانه أن يقرأ فيها الثقافة السياسية لجيل بأكمله.

إن أول أهمية لهذه المقابلات أنها توفر قدراً كبيراً من المادة التاريخية والمعلومات الأولية التي لا غنى عنها للقارىء العادي والمتخصص.

إن كل صفحة من صفحات هذا الكتاب تحمل معلومات دقيقة ومهمة عن الأوضاع الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وكذلك عن ظروف الحياة والبيئة، وتكشف عن أسرار كامنة ومخزونة في ذاكرة الآباء والأجداد. إنها معلومات ضرورية، ووقائع رائدة كان يجب تجميعها وتوثيقها، لذلك كان لا بد من هذا الكتاب.

 

لكن هذا الكتاب هو أكثر من مجرد سرد معلومات ووقائع، والاستمتاع بقراءتها، إن هدف هذا الكتاب هو أيضاً إشغال الفكر والتأمل في مضامين هذه المقابلات، واستخلاص استنتاجات عن التاريخ، والتوصل إلى تعميمات عن الواقع الراهن.

 

لكن يأتي نشر هذا الكتاب ليبرهن على خطأ تصور وجود انقطاع شامل بين الحاضر والماضي، وأن هذا التصور ليس فقط خطأ وإنما أيضاً يشكل خطراً على الجيل الذي يتبناه، والذي هو في أشد الحاجة إلى مراجعة الماضي. إن الدافع الرئيسي لنشر هذا الكتاب ليس مجرد التواصل مع جيل غني بتجاربه، وعايش أحداث الماضي القريب، وكان شاهد عيان لفعالياته، وإنما الدافع لنشر هذا الكتاب هو استخلاص بعض من دروس هذا الماضي.

 

لذلك فإن أقل ما يوفره هذا الكتاب هو تلك الفرصة النادرة للاستماع إلى أحاديث شيقة تسرد بعفوية وصدق، إن هذا الكتاب يربطنا بأفراد يهمنا أن نتحاور معهم، ونأنس لمجالسهم، ولا نملّ من حكاياتهم. إن شخصيات هذا الكتاب هم امتدادنا النفسي والعاطفي إلى عالم الغوص، وإلى معاناة أيام زمان، وإلى الحياة البسيطة، وإلى الكفاح المتواصل مع البحر والجبل والصحراء. إن هذا الكتاب يثير الأشجان ويدعونا إلى ارتشاف فناجين القهوة إلى أن ننهي آخر صفحة منه.

 

د.موزة غباش :

إيماناً من «القراءة للجميع للنشر والتوزيع» بأصالة موروثنا الحضاري، وأهمية التراث الشعبي في تكوين العقل والضمير الجماعي لشعب الإِمارات، فإنها تتشرف بتقديم هذا العمل الجاد لعبدالله عبد الرحمن عن الحياة الاقتصادية في مجتمع الإِمارات، والذي يرصد فيه مراحل تطور الحياة الاقتصادية والمعيشية، والتي عكست خصوصيته التاريخية، وعبقرية الإنسان في مواجهة الظروف الاقتصادية المتقلبة والمتغيرة تاريخياً وبيئياً، وأوجه التحدي الذي خاضه شعب الإمارات.

ويعد هذا الكتاب استكمالاً لجهود عبدالله عبد الرحمن «أبي محمد» الذي كان له فضل الريادة في تسجيل التراث الشعبي، حيث صدر له من قبل كتابه الهام «الإمارات في ذاكرة أبنائها - الحياة الثقافية»، وهو بهذا الكتاب الذي بين أيديكم يستكمل رسالته الداعية إلى الاعتزاز بتراث الأمة وموروثها الثقافي. ولعل كتاب الحياة الاقتصادية من وحي ذاكرة أبنائها يساهم في استكمال وتفسير بعض جوانب الحياة الثقافية، وفي الوقت ذاته يمهد لظهور الكتاب الثالث عن الحياة الاجتماعية للإِمارات من وحي ذاكرة أبنائها كذلك.

فهذا هو جهد أبي محمد.. وهذا هو إسهامه الذي نباركه له... فهذا التراث الذي يقدمه لم ينتج دفعة واحدة وخارج التاريخ، بل هو جزء من التاريخ، وهو حركة الفكر وتطلعاته، ولذلك فنحن ندعو مع كاتبه إلى الوعي بهذا التراث، وعلى أن يكون وعياً ذا مستويين: مستوى الفهم ومستوى التوظيف أو الاستثمار، بحيث يجسد أرقى حالة من التماسك والشعور بالهوية ضمن الجماعة لشعب الإِمارات، وعلى أن يمتد إلى أهداف مستقبلية أبعد من ذلك، وهي جهة التوحيد القومي لشعوب الأمة العربية.. فذلك هو الهدف الأكبر.. وذلك في النهاية هو خطاب التراث..

 

الأكاديمي والانثربلوجي البحريني الدكتور عبدالله عبدالرحمن التيم :

آخرون  ، وبالمناسبة فإنه يسرني أن أعلن هنا عن  مخطوط كتاب جاهز للنشر بعنوان مقترح هو( شهادات وأقوال في تجربتي لتوثيق التاريخ الشفهي وذاكرة المكان في الإمارات). ومحتواه يجمع عشرات المقالات والقراءات والمقابلات التي نشرت بهذا الخصوص محليا وخارجيا).

 

عودة لمنهجي في الصحافة التوثيقية قبل محور المحتوى الوثائقي (التوثيق)، وقبل الإشارة إلى (الصحافة التخصصية) و(الصحافة كمصدر للتوثيق).

هنا لابد من بعض الخلفيات للتأكيد بأن الصحفي الناجح والعاشق للمهنة بمعنى الذي أَحَبَّهُا أَشدَّ الحُبِّ هو الذي يدفعه شغفه الدائم وحرصه المتواصل وتضحياته الكبيرة إلى خوض كل تجارب وتحديات مهنة البحث عن المتاعب، وإلى التميز والإنفراد بالجديد دائما، وهكذا فإنني شخصيا عشقت الصحافة في سنوات الدراسة الإعدادية تقريبا وعبرت عنها بمراسلة الإذاعات المحلية الأولى (برامج المفتوحة للمستمعين) ومنها البي سي أيضا، و تبادل الكتابة مع هواة المراسلة محليا وعربيا، ثم الكتابة لبعض أولى المجلات التي صدرت في دبي ومنها المجمع والأهلي والشباب ومحاولة اقتنائها وزيارة المؤسسات الإعلامية المعنية كلما اتيحت فرصة الوصول لدبي والشارقة متنقلا بسيارات الأجرة.  وكان هذا العشق سببا للإنتساب بدار الدراسات المهنية في القاهرة خلال تلك المرحلة التعليمة المبكرة لدراسة الصحافة ومن ضمن أهم الكتب الدراسية كان كتاب (وراء الأخبار ليلا ونهارا) وكان يروي قصص واقعية ومثيرة لتجارب صحفيين عالميين وهو كتاب لا أنساه. وفي عام 1975  التحقت بجريدة الاتحاد كخطاط متدرب ثم صحفيا مبتدئا بعد أن نشر لي أول مقال عن المكتبة العامة لوزارة الإعلام في نفس مبنى الوزارة والصحيفة وقد كنت صديقا لمحمد شريف الشيباني المؤرخ والشاعر أمين المكتبة،

وجدت في الاتحاد  الترحاب الكبير والحضن الدافئ  لهوايتي وعشقي وسعة الصدر من عمالقة الصحافة العرب ورئيس التحرير حينها الأستاذ خالد محمد أحمد ، وكان ميدان العمل في العاصمة أبوظبي ومؤسساتها المحلية والإتحادية رحبا وخصبا وحاشدا في تلك البدايات الوطنية الإتحادية، وبعد نقلي من المحليات إلى المنوعات والإنخراط في تغطية حفاوة العمل والنشاط الدؤوب في الإذاعة والتليفزيون والمسرح والفنون كانت التجربة قد تنوعت وتطورت، ومن ثم أصبحت على صلة أوسع إطارا للصحافة الميدانية كمندوب للإتحاد لسنة واحدة في إمارة رأس الخيمة لقد كانت تجربة عمل مفتوحة على مختلف أشكال التغطيات والكتابة الصحفية بين الخبر والتحقيق والمقابلات وغيرها وبين السياسة والإقتصاد والإجتماعيات والثقافة والميدان الحكومي والأهلي والرسمي والشعبي وبين المدينة والقرية، وبالعودة إلى المقرالرئيسي للإتحاد في العاصمة عملت في ديسك التحرير المركزي والمحليات والأقسام الأخرى بجانب الخروج في عدة مهمات عمل خارجية أهمها تغطية ( احتلال الحرم)، نقلت إلى دبي كصحفي ميداني أيضا ومباشرة كتابة مقال يومي في الصفحة الأخيرة بعنوان كلمة حق، وهنا اتجهت اهتماماتي بالإرتحال إلى المناطق النائية في الإمارات الشمالية، للتعريف بها مكانا ومجتمعا ونقل همومها واحتياجاتها ونواقص الخدمات فيها كحلقة وصل بينها وبين المؤسسات الحكومية المعنية. كانت طبيعة العمل في تلك الفترة صحفية اخبارية وتحقيقات ومقالات.

في 1980 تكرمت إدارة الإتحاد بإيفادي في دورة تدريبية لمدة سنة إلى المملكة المتحدة حيث درست اللغة في عدة معاهد ومناطق، وحين اقتضت ظروف علاجية البقاء والتردد لعدة شهور إضافية كان مكتب الإتحاد ومراسلها في مبنـى جريدة التايمز اللندنية وكان تواجدي هناك شبه يومي بجانب استمرارية كتاب ة كلمة حق اسبوعيا (عمودين)، بينما كنت أقضي وقت الفراغ في القراءة خاصة في تاريخ الإمارات والكتب المعنية بشئون المنطقة عموما، وهنا انبثقت ملاحظة ما لا يخفى علينا أن مصادر تاريخ المنطقة عامة ودولة الإمارات خاصة تعتمد على ما يلي :

 

 مصادر التاريخ : 

 

مصادر تاريخ الإمارات

جدير بنا التأكيد أن دولة الإمارات العربية المتحدة تمتلك إرثاً تاريخيا غنياً ومتنوعاً ، دلت عليه المستوطنات البشرية والاكتشافات الأثرية والمخلفات العمرانية ، كما دلت عليه المصادر التاريخية ، والمصنفات القديمة، فضلاً عن التراث التقليدي الفلكوري الذي يشكل الهوية الوطنية ويقدم مادة مهمة عن تاريخ هذه المنطقة، ولم تغفل قياداتنا الحكيمة يوما ضرورة كتابة تاريخ هذه المنطقة وتوثيق تراثها من خلال منهج علمي يضطلع بكتابته باحثون متخصصون وتوفير قاعدة بيانات ومعلومات عن مختلف صنوف مصادر تاريخ الإمارات ، علما بأن معالجة موضوع علمي صرف كهذا الموضوع يتطلب أساساً الشمولية في تغطية كل صنوف المصادر التاريخية بدءاً بالآثار واللقى القديمة ومروراً بالمصادر المكتوبة، أو الروايات الشفوية ومأثورات المجتمع الإماراتي المحلي ثم بقية مصادر التاريخ الاجتماعي والاقتصادي فضلاً عن الوثائق التاريخية، وكتب الرحلات والمراجع عامة والرسائل الجامعية.. إلخ.ومن ثم إعداد قاعدة بيانات عن مصادر كتابة تاريخ الإمارات عبر مختلف مراحله بدءاً بالتواريخ الكلاسيكية ومروراً بالتواريخ الوسيطة وانتهاءً إلى التاريخ الحديث والعاصر..

وبالتوقف مع مصادر التاريخ القديم للإمارات فإن المصادر المعنية هي :

أ- الآثار: لقد بدأت عمليات التنقيب عن الآثار في دولة الإمارات العربية المتحدة بداية متأخرة نوعاً ما عن مثيلاتها في الدول المجاورة. وأول تسجيل علمي موثق عن آثار المنطقة كان بوصول جيفري ببي وبيتر جلوب إلى جزيرة أم النار في عام 1958. ثم تواصلت جهود الكشف الآثاري في الدولة، وتولى هذه الجهود عدد كبير ومتنوع من الفرق الأجنبية. وقد نتج عن ذلك نتائج علمية وتاريخية مهمة. وعلى الرغم من جهود هذه الفرق في البحث والتنقيب إلا أنه توجد العديد من الثغرات في عملها وأدائها وتفسيراتها.

ب- المؤلفات الكلاسيكية: ونعني بها ما كتبه اليونانيون والرومان إذ ذكرت بعض مناطق في الدولة في عدد من المصادر الكلاسيكية. وسوف نذكر أسماء هذه المناطق، وعلى الرغم من وجود اختلافات في صيغ الألفاظ والأسماء الواردة في هذه المصادر مع الواقع الحديث إلا أننا نستطيع تقريباً تحديد ومطابقة الأسماء القديمة مع الحديثة.

ج- المصادر السريانية: وهذه المصادر تركز على الوجود النصراني في المنطقة، وهي مصادر الكنيسة النسطورية التي تهتم باتّباع المذهب النسطوري في المنطقة الخليج والعراق. وتسجيل ما كان يحدث من أحداث وتقارير في المجامع الكنيسة النسطورية.

د- المؤلفات العربية الإسلامية: وكان اهتمام الإخباريين والرواة بتاريخ المنطقة فيما قبل الإسلام يشوبه عدد من الغموض والخلل وعدم التركيز وهذا يشمل بصورة عامة تاريخ شبه الجزيرة العربية في تلك الفترة. على الرغم من ذكر معلومات عن الهجرات القبلية، ومعلومات حول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والظروف المناخية والبيئية.

هـ- النقوش والكتابات المحلية والفارسية والعربية: إن ما اكتشف من نقوش محلية في الدولة قليل جداً ولا يحتوي إلا على معلومات بعضها غامض وبعضها قصير. أما النفوش الفارسية القديمة فهي غالباً ما تتصل بالسيطرة الفارسية أيام الأخمينيين والساسانيين على المنطقة. وهي نقوش قليلة جداً كذلك.

و- المؤلفات الحديثة العربية والأجنبية: نظراً لقلة المتخصصين في الآثار والتاريخ القديم للمنطقة من المواطنين اتضح دور الأجانب في توثيق وتسجيل تاريخ المنطقة القديم وآثارها. وعلى الرغم من اتضاح الدور الأجنبي إلا أن عدداً  من الأخوة العرب كان له دور كذلك في كتابة التاريخ القديم للمنطقة وتسجيل آثارها.

تاريخ الإمارات العربية في الوثائق البريطانية

تعد الوثائق البريطانية - المنشورة وغير المنشورة- مصدراً هاماً من مصادر التاريخ الحديث للإمارات العربية. وقد ظل اعتماد الباحثين عرباً وأجانب على تلك الوثائق بنوعيها وذلك في غيبة الوثائق والمصادر المحلية التي لم يتم التعرف عليها إلا في السنوات الأخيرة ، ونعنى هنا الوثائق الخاصة بالدوائر البريطانية التي أقامت علاقات مع الإمارات العربية بداية من شركة الهند الشرقية البريطانية وحكومة الهند ووزارة الخارجية البريطانية وغيرها. وكانت حكومة بومباي التابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية هي التي تتولى شؤون الإمارات منذ السنوات الأولى من القرن التاسع عشر إلى أن قامت ثورة الهند في عام 1857 وما أعقبها من حل شركة الهند الشرقية البريطانية وأصبحت وزارة الهند هي المتحكمة في شؤون الإمارات حتى تحول الإشراف إلى وزارة الخارجية البريطانية حتى عام 1971 حين نفذت بريطانيا قرارها الخاص بالانسحاب وإنهاء التزاماتها العسكرية وإلغاء كافة الاتفاقيات والمعاهدات التي عقدتها مع حكام الإمارات مما مهد لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة.

وتحفل الدوائر البريطانية المشار إليها بكميات هائلة من الوثائق التي تتناول أوضاع الإمارات العربية ومن بينها الأرشيفات الخاصة بالوكالات البريطانية التابعة لشركة الهند الشرقية البريطانية والأرشيفات الخاصة بحكومة الهند كما تحتوي ملفات وزارة الخارجية البريطانية على مادة وثائقية لا غنى عنها للباحث في تاريخ الإمارات.

وإلى جانب الوثائق البريطانية غير المنشورة توجد مجموعات هامة من الوثائق التي عنيت الدوائر البريطانية بنشرها نشير من بينها إلى مختارات حكومة بومباي التي حفلت بالمعاهدات والاتفاقيات التي أبرمت مع حكام الإمارات كما اشتملت على قوائم كرونولوجية عن الأحداث الهامة التي وقعت في الإمارات إلى جانب تقارير المقيمين البريطانيين عن القبائل العربية خاصة القواسم وبني ياس والبوفلاسية وغيرهم. كما تجدر الإشارة إلى ما نشرته حكومة الهند البريطانية عن التعهدات التي ألزمت بها حكام الإمارات وترجع أهمية تلك الوثائق في أنها أوردت النصوص العربية والإنجليزية والفارسية لتلك المعاهدات والتعهدات. ولعل أبرز ما نشرته حكومة الهند مجموعة آينشيسون عن المعاهدات والاتفاقيات والسندات الخاصة بالهند والأقطار المجاورة ويهمنا من تلك المجموعة المجلد العاشر الذي يتناول المعاهدات المبرمة مع حكام الإمارات، وهناك العديد من المصادر التي عنيت حكومة الهند بنشرها والتي ترقى إلى مرتبة الوثائق ومن أبرزها دليل الخليج للوريمر.

وعلى الرغم من أن الوثائق المنشورة خففت كثيراً من الأعباء على الباحثين إلا أنها ليست مبرراً للاكتفاء بها إذ من المؤكد أن الرجوع إلى الوثائق غير المنشورة من مظانها المختلفة سوف يقدم جديداً وهو الهدف الذي ينبغي أن يتطلع إليه الباحثون من أجل إثراء تاريخ الإمارات.

 

 

التاريخ الشفهي :

 

 

 المعروف أن التاريخ الشفاهي، هو التاريخ الذي يرويه الأحياء من كبار السن من أبناء الإمارات الذين عاصروا حركة المجتمع وعايشوها، وحفظوها في صدورهم بدقائقها، وتفاعلوا مع أحداثها، وتأثروا بها، ورسوخ هذه الأحداث، وحركة المجتمع في ذاكرتهم، وتخزينها في الذاكرة كجزء من تجاربهم ومعاناتهم، لا تمحوها الليالي والأيام، وهم يرونها في مجالسهم كمشاهدين ومشاركين في هذه التجارب التي مروا بها في مجتمعهم.

ولا ريب أن روايتهم تحوي تفاصيل دقيقة عن صورة المجتمع وتركيبته قد لا نجدها في التاريخ المسجل، أو في الوثائق الرسمية التي تهتم بنوع معين من الأحداث وتقوم بتسجيله، ولا تسجل دقائق الحياة اليومية، سواء في فترات مواسم الغوص، أو في المواسم العادية، والحركة التجارية ودور التجارة في المجتمع، والتغير الذي أصاب المجتمع بعد اكتشاف النفط وحركة المجتمع والحياة الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية بين الأفراد والأسر التي كانت تعيش في المجتمع في الفترة يرويها الراوي، ولذا فإن الدعوة تتجدد إلى العمل بسرعة تسجيل رواية المعاصرين من كبار السن الذين عاشوا أحداث الفترة السابقة على اكتشاف النفط من تاريخ الإمارات، وحتى الثمانينات من القرن العشرين. للحفاظ على التاريخ الاجتماعي في تلك الفترة.

 

فإن تراثهم حاضر فينا ويعد مكوناً من مكونات فكرنا ووجداننا وسلوكنا ، وله فعله وتأثيره فى الحاضر وهذا ما دعا البعض إلى وصف التراث بـ " المتصل " الحي الذى ينحدر مع الأجيال من الماضي إلى الحاضر ويتجه صوب المستقبل فى تدفق مستمر، والتراث كما يتفق على تعريفه الباحثون هو تركة الأجيال الماضية ، وهو يتنوع في عناصره المادية والمعنوية والحضارية لدرجة أنه يصعب حصر أنواعه وأشكاله ، فمنه ما يتصل بالعلم والمعرفة ، ومنه ما يتصل بالمعتقدات والفن والأخلاق والصناعات والحرف، ويدخل في التراث كل ما يكتسبه المجتمع من سلوكيات وخبرات وأفكار متراكمة عبر العصور ، وهى تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق اللغة والتقليد والمحاكاة والتعليم والتعلم .

.. وهكذا فإن خصوصية هذه الصلة الوفية مع المعمرين متمثلة في حصيلة ما يتم توثيقه من مواد التاريخ الشفهي لمجتمع الإمارات وتراثه الشعبي هي  بمثابة إعادة للإعتبار الإنساني والإجتماعي والثقافي والفكري والنفسي والوجداني لهذه الفئة من صناع التاريخ والتراث العريق لماضي حركة الحياة على أرض الإمارات برا وبحرا ، تلك التي كادت المتغيرات على كافة المستويات أن تحيل غالبيتها تقريبا إلى الهامش والنسيان - حضورا وإنتاجية وأدوارا وحيوية - وبرحيلها خسرنا ثروة الذاكرة والثقافة الشعبية الحيوية الزاخرة ، وعلى كل حال فإن ذاكرة الكنوز البشرية الحية ستبقى  خير تعبير عن قيمة وحصاد هذه الصلة التي كانت ومازالت واجبة الوفاء بآبائنا وأجدادنا ، وهي ترسم لنا صورة (بانورامية) مثيرة عبر شريط الذكريات الممتد على مدى العمر والذاكرة للرواة من بين (الستين والمائة سنة) ومنذ (أواخر القرن التاسع عشر وصولا إلى أواخر القرن العشرين) على الأقل .

 

إننا في مجالسة  الأحباء من الأجداد والآباء ذكورا وإناثا متفرقين بين الفئات والشرائح الإجتماعية ، على الإهتمامات والخبرات والتجارب والسيرة والمأثورات والذكريات .. نغوص معا بشوق ومحبة وحميمية وحنين إلى أعماق الماضي المتصل بحبل الذاكرة ومسيرة رحلة حياة الإنسان في مجتمع الإمارات القديم على كل المستويات ومختلف الفعاليات والحراك والظروف المعيشية وتقلباتها ومتغيراتها وتراثها المادي والمعنوي برا وبحرا عبر السنوات والمحطات والمراحل الزمنية المتتالية خلال أكثر من مائة سنة ماضية ترصد ملامحها الذاكرة بوضوح وتفصيل حينا أو بإشارات وإضاءات متقطعة أحيانا أخرى وعلى الباحثين مسئولية التغطية والتكملة .

وفي مجالس الذكريات والرحلة الحيوية الحافلة والنابضة بالحياة مع سيل الذكريات.. يمكننا أن نجوب الإمارات شبرا شبرا ونعيش في الصحراء مع البادية بين الحل والترحال وفق متغيرات المواسم السنوية ، ونتسلق الجبال ونجوب الأودية و " الوعوب" و "الحيور" الزراعية ، ونغوص في أعماق "هيرات" اللؤلؤ ونعيش رحلتنا الصيفية البحرية السنوية بعيدين عن عوائلنا المنتشرة بين واحات النخيل و"مقايظ" الإمارات العليلة لشهور أربع، ومن ثروات الخليج العربي السمكية نتغذى أشهى أنواع الصيد الوفير ، ونفرد الأشرعة في البحار والمحيطات نحو الهند والسند وسواحل شرق افريقيا ونجوب الموانئ القريبة والبعيدة للنقل البحري والتجارة الخارجية  وعلى رأسها انتاجنا المحلي الوفير من اللؤلؤ الطبيعي ومنتجاتنا البيئية الأخرى ، وتستقر بنا الرحلات في المدن الساحلية وعلى الأخوار وفي المصايف والواحات والبراحات ، وندخل البيوت ومجالس الكرم والضيافة والكتاتيب والمدارس الأولى شبه النظامية وحلقات العلم في المساجد ومجالس العلماء والقضاة والحكام والأعيان والعامة والمكتبات الشخصية ونجول في "العرصات" والأسواق الشعبية ونصل إلى الحرفيين وصناعاتهم ، ونشارك في المناسبات ونمارس العادات والتقاليد الشعبية المأثورة للبادية والحضر ونسمع اللهجات والشعر والحكاية الشعبية والقصص والروايات المتوارثة ، ونتذوق الأكلات الشعبية ونشرب لبن "الخلفات" والأبقار ونتغذى صناعات الأمهات والجدات اللبنية ، والعسل الطبيعي ونأكل لحوم صيد البر والبحر وثروات المراعي من الإبل والماشية والخرفان ، ونرتشف فناجين قهوة الحياة (المرة) في الغالب والتي قنادها التمر.. سواء كنا على ظهور المحامل البحرية أو المطايا أو الحمير أو مشيا وتسلقا على الأقدام ، أو مجتمعين في عريش الصيف والخيم الشتوية أو تحت ظلال الأشجار أو في بيوت الحجارة والصخورالجبلية أو في مخازن الجص والطين تلفحنا النسمات العليلة عبر فتحات براجيل الهواء .. وبين هذا وذاك عالم من التراث والمأثورات ،  ولكن (ياما حلى الفنجان  في رأس متلال.. في مجلس ما فيه نفس ثقيلة – هذا ولد عم وهذا ولد خال  - وهذا صديق مالقينا مثيله).

 

 

ويبقى السؤال الأخير حول أهم مخرجات توثيق التراث والحفاظ على الكنوز البشرية الحية  للتأكيد على أن الذكريات حافلة بما لم ولا يخطر بالبال من العجائب والغرائب والحقائق والوقائع ، ولكن الأهم هو الإنسان – الطفل والمرأة والرجل – الفرد والأسرة والمجتمع بين الحرص والجدية والتعاون والتكافل والمسئولية المشتركة على التربية والتدريب لبناء الشخصية السوية والصفات الملتزمة  في عرف المجتمع وعاداته وتقاليده ، وبين التشبث بالحياة والصراع من أجل البقاء وتنوع المهارات والكفاءات والخبرات المهنية والإنتاجية والتشوق والسعي للتعلم والمغامرة والبحث عن الجديد والتحري عن الحلال والحرام والنافع والضار والتنافس الشريف والقدرة على التكيف والصبر والحلم والقوة والشدة واستثمار الطاقات والقدرات البدنية والحواس والملكات الفكرية والتوازن النفسي وقبل هذا وذاك قوة الإيمان واليقين والتوكل على الله والإلتزام  بالصلوات والعبادات والمشاعر الدينية قدر المستطاع والعلم إضافة إلى  عناصر وصفات ومخرجات أخرى سوف يرصدها  الباحثون عن صفات إنسان الإمارات في سياق رحلته مع الذاكرة الشعبية .

كما نختتم هذا المحور حول توثيق التاريخ الشفاهي بما يؤكده لنا الدكتور سعد عبد الله الصويان في كتابه - جمع المأثورات الشفهية -.. «إن عملية البحث في مجال المأثور الشعبي تتألف من ثلاث مراحل متتالية، هي: مرحلة جمع المادة من مصادرها الشفهية والتحريرية؛ تليها مرحلة تصنيف ما تم جمعه وفهرسته وإيداعه في أرشيف؛ ثم تأتي بعد ذلك المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة الدراسة والتحليل» ويضيف مشيراً إلى أن «المرحلة الأولى التي تحتل مكان الصدارة، وترتكز عليها المرحلتان التاليتان، ينبغي تنفيذها وفق خطة بحث مدروسة، وحسب منهج علمي دقيق، حتى نضمن سلامة النتائج».

 

تجربتي في توثيق التاريخ الشفاهي وذاكرة المكان في الإمارات :

  • في السابع من يوليو عام 1984 بدأت صفحات (فنجان قهوة) تطلّ على قارئها بشكل أسبوعي متواصل على مدى 4 سنوات تقريبا وعبر صحيفة (الاتحاد) الإماراتية حيث كنت أعمل فيها نائبا لمدير التحرير ، وكانت هذه الصفحات متنقلة بين أرجاء مناطق كل الإمارات، تخوض عباب البحر وتعبر السلاسل الجبلية، مروراً بالمدينة والقرية دون كلل أو ملل، متجاوزة كل الصعاب والعقبات والمتاعب والمشاق والمواقف بتفاصيلها المثيرة والمتنوعة التي لا مجال لتحديدها هنا.

لقد كانت العديد من الأهداف الأساسية الهامة هي دوافع هذا العمل الصحفي، وإذا جاز لنا الإشارة إليها فهي تمثلت في حرص صحيفة (الاتحاد) على تقديم خدمةٍ صحفية متميزة وفعالة لقارئها ضمن رسالتها الإعلامية والتثقيفية وغيرها، لتغطية مختلف الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والتاريخية والتراثية، وتلبية احتياجات ورغبات واهتمامات كل القراء.

  • ومن ناحية أخرى استطاعت الاتحاد عبر صفحة «فنجان قهوة» أن تلتفت إلى فئة اجتماعية كبيرة من المواطنين، وهم جيل الأجداد والآباء من مختلف الأعمار الذين كادت ظروف طفرة المتغيرات العصرية أن تحيلهم إلى هامش الحياة العملية، وهم الذين يكتنزون في وجدانهم علوماً ومعارف وخبرات ودروساً وعبراً تمثل ثروة بالغة الأهمية، ثمينة القيمة.. إن مثل هذه الالتفاتة الصحفية المنتظمة والجادة فتحت لهذه الفئة الاجتماعية فسحة رحبة للمشاركة الإيجابية المثمرة في مسيرة الحاضر بالكلمة والصورة، وعبر هذه المشاركة عرض الآباء والأجداد على صفحاتٍ فنجان قهوةٍ مواد خصبة للأبناء والأحفاد وللمهتمين والباحثين عن دولة الإمارات العربية المتحدة، أرضاً وإنساناً وتاريخاً حافلاً وعلوماً ومعارف وخبرات وتجارب وعادات وتقاليد ومعتقدات ومفاهيم وحكايات وروايات ومواقف وكفاحاً وصراعاً وتفاصيل أخرى كثيرة. لقد أصبحت ذكريات المسنين من الآباء والأمهات والأجداد والجدّات مرجعاً للباحثين المتخصّصين في شؤون التراث الشعبي لدولة الإمارات العربية المتحدة، ولنسبة كبيرة من طلبة الجامعات في الإمارات وطلبة الدراسات العليا وغيرهم من المهتمين، وستبقى كذلك، فالحقيقة أن تراث الإمارات غني حافل، وعلى الرغم من الجهود المتنوعة الرسمية والأهلية والتطوعية القائمة هذه السنين بحرص واهتمام، إلا أن الجمع والتدوين لا يزالان في مراحلهما الأولى، ولا تزال المراجع المكتوبة غير ميسّرة، وبالتالي فإن الرواة من الأجداد والآباء ما زالوا يشكلون أهم المصادر المختزِنة لمواد التراث الشعبي في ذاكرتهم، ولهذا جاءت مبادرة «الاتحاد» الصحفية في الوقت المناسب لتلبية هذه المهمة الملحة قبل فوات الأوان، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من المعمَّرين الذين شاركوا في تحرير صفحة «فنجان قهوة» بذكرياتهم الغزيرة القيمة قد وافتهم المنية، رحمهم الله. ومثلما كادت طفرة المتغيرات العصرية الشاملة أن تحيل نسبة كبيرة من المعمَّرين إلى هامش فعاليات الحياة المعاصرة، وكما أن حتمية الفناء عصفت بأرواح الكثيرين من الأجداد والجدات والآباء والأمهات، فإن معطيات الحاضر شغلت الإنسان عن الكثير من مسؤولياته تجاه الاهتمام بثرواته البيئية الطبيعية للاستثمار والمحافظة والتطوير في البر والبحر، وهي تلك الثروات التي كان الأولون يعتمدون عليها في معيشتهم، وينتزعونها بإمكانياتهم المتواضعة، وخبراتهم وعلومهم ومعارفهم وأسلحة التجارب المتوارثة من أعماق البحار، أو من بواطن الصخور أو غياهب الصحارى وهكذا.
  • إن مراجعة لأرشيف صفحات «فنجان قهوة» بين هذه السلسلة سوف تكشف لنا كيف استطاعت خبرات الإنسان ومأثوراته وكفاحه المرير أن تستثمر كل معطيات الطبيعة وعواملها لخدمة حياته متمثلةً في الأشجار والأعشاب والنباتات والصخور والرمال والريح والأمطار والنجوم والظلال والنحل والبحر والساحل والجبال والأودية وغيرها الكثير، وكم من الصناعات والمنتجات والحرف والمهن توارثها الإنسان من فعاليات حياته ماضياً..إنّ العودة للتعامل مع ثرواتنا البيئية والمعطيات الطبيعية والاهتمام بها لأي غرض لازمٍ تصعب دون الاستعانة بخبرات ومعارف المعمَّرين أصحاب العلاقة العريقة، كما أن الوصول إلى كثير من المواقع والبقاع من أرجاء دولتنا الفسيحة والتعرف إلى معالمها وطبيعتها الجغرافية والجيولوجية والأثرية، وحتى مسمياتها الدقيقة، ليس بالأمر الهين على الفرد العادي من أبناء هذا الجيل اليوم، دون الاستعانة بذكريات الأجداد والآباء.

ويلزم في هذا الصدد أن نتأمل أيضاً قيمة الاهتمام القائم بالتواصل مع المعمَّرين وعرض ذكرياتهم عن فعاليات ماضي الحياة في الإمارات بمختلف صورها وظروفها وتنوع مجالاتها وأشكالها، في واقع الانفصال النسبي الذي فرضته في حاضرنا طفرة المتغيرات الشاملة التي شهدتها منطقة الخليج بصفة عامة، والإمارات بصفة خاصة، بسبب عوائد النفط وما جلبته من خليط معايشٍ متنوع في الماديات والمعنويات، وبسرعة فائقة على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وغير ذلك من المجالات بالسلب والإيجاب.

وبالتالي كان هذا الانفصال النسبي بين الحاضر والماضي الأمر الذي زحزح توازن الشخصية وخصوصياتها في وجدان الجيل الجديد بشكل أو بآخر، وبدرجة أو بأخرى.

لقد أصبحت الهوية والانتماء الفكري والثقافي والاجتماعي العام مشتتاً بين السلبيات والإيجابيات من معطيات الحاضر، وبالتالي فإن التنقيب عن الإيجابيات الحافلة في خصوصيات تراثنا العريق يصبح أمراً ملحاً للأخذ بالكثير من عاداتنا العربية الخليجية الأصيلة وتقاليدنا السمحة، وذلك للحفاظ على خصوصيات شخصيتنا وهويتنا.

ومن ناحية أخرى فإن إطلالتنا على ظروف ومجالات حياة آبائنا وأجدادنا من خلال ذكرياتهم يمكن أن تمثل قيمة معنوية تبث القوة والفخر والاعتزاز والأمل في نفوسنا، لكوننا أبناء وأحفاد فرسان البحر وصقور الصحراء. ومن تلك الحقائق والوقائع التاريخية التي سجلها أولئك الرجال بصبرهم وصمودهم وعزتهم وكرامتهم في سبيل الحياة الحرة، من تفاصيل تلك الذكريات نستمد نحن أبناء اليوم العبرة والدرس والنبضات التي ستمثل روح مسيرة حياتنا المعاصرة وزاد طموحاتنا المستقبلية وآمالها.

وإذا كان الماضي بمأثوراته الغنية ما زال وسيبقى مصدراً خصباً للكثير من الإيجابيات والعوامل المضيئة المثمرة، فإن الاستعراض التفصيلي المتواصل والمتنوع لذكريات الأجداد والآباء من خلال رشفات فناجين القهوة سوف يلفت انتباهنا إلى بعض الجوانب السلبية ولا شك، خاصة تلك التي أفرزها واقع الكفاف ومصاعب ظروف الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية الماضية، لذا فمن شأن طرح صور الماضي على بساط البحث أن يفرز لنا كل الجوانب لنأخذ بالإيجابيات ونتلافى السلبيات، ولا سيما أنّ الكثير من الظواهر الاجتماعية والثقافية المتوارثة لا تزال تتفاعل مع حاضرنا خاصة في المناطق النائية للدولة.

وفي خضم الكثير من التأملات والخواطر التي ترد هنا تتجدّد الدعوة للباحثين والمتخصّصين والمهتمين بشؤون التراث الشعبي لاعتبار المساهمات التي يشارك بها الأجداد والآباء عبر رواية ذكرياتهم على أنها عناصر عامة متنوعة تستحق التوقف معها للمزيد من البحث والتصنيف والدراسة واستخلاص النتائج لتحقيق الأهداف المرجّوة من الاهتمام بالتراث الشعبي على أسس علمية عصرية متكاملة فعالة.

 ( ذاكرة المكان في الإمارات) :

اتخذت هذه الرحلات دعوات القائد المؤسس الشيخ زايد طيب الله ثراه شعارا لها ، وهي دعوات موثقة بمختارات من أقواله المأثورة للأبناء بالإرتحال الاستكشافي والمعرفي في ربوع الوطن ، واستهدفت هذه الرحلات المسحية الميدانية البحثية المصورة التي انطلقت في أوائل التسعينات من القرن الماضي - توثيق ذاكرة المكان في الامارات ، وشملت مختارات من مواقع دبيب الحياة في ربوع الدولة الرحبة بين البر والبحر والجبل لتروي وترصد حكايات الحنين والحب عن الأرض والإنسان والزمان في القرى والمناطق النائية والجزر البحرية وفي مراكز الإستقرار والإنتشار السكاني للبادية والحضر بين الماضي البعيد والقريب وبدايات متغيرات الحاضر الزاهر والزاخر. وبحكم خبرتنا الصحفية الميدانية والبحثية التوثيقية فإن مواد هذه الرحلات التي غطت أكثر من 90 موقعا نموذجيا غنية من النواحي الجغرافية والتضاريسية والبيئية والحياة الفطرية النباتية والحيوانية إضافة إلى الجوانب الآثارية والتاريخية والتراثية  والثقافية الشعبية ومعلومات أخرى ثرية ومثيرة تمثل أرضية انطلاق للأبحاث والدراسات المتخصصة مع الأخذ في الإعتبار القيمة الإعلامية والتوثيقية والوطنية والثقافية لمثل هذا المشروع وحصيلته الميدانية من المواد واللقطات الفوتوغرافية البديعة . وقد كتبت النصوص باسلوب أدب الرحلات جمعا بين الكلمة الموثقة بالرواية الشفهية والمصادر المرجعية كلما توفرت والتحقق والمعاينة والإنطباعات والوصف وبين المختارات الوفيرة من الصور الملونة لمعالم وعناصر الحياة الطبيعية والأصالة والمعاصرة في مادة كل قرية أو منطقة أو موقع . وبجانب هذه الرحلات فإن الكتاب ستتضمن صفحات آثارية وتاريخية تقدم للقارئ بإسلوب صحفي مبسط تغطيات وأبحاث ملخصة ومركزة كخلفيات من التاريخ الحضاري المبكر والحديث لذاكرة المكان وآثار الإنسان ورحلة الحياة على هذه الأرض عبر الزمان .

جدير بالإشارة إلى أن أبوظبي ستكون حاضرة ضمن مواد هذا الكتاب بشكل بارز خاصة المنطقة الغربية .

أغلب مواد هذا المشروع نشرت في أوائل التسعينيات من القرن الماضي على صفحات الإتحاد الإسبوعي بعنوان ( موسوعة الوطن) وبعضها في صفحات من (دفاتر الوطن)- إضافة إلى صفحات رمضانية متخصصة وأخرى في جريدة الخليج بعنوان ( الخليج تبحر في أعماق الوطن ) وكذلك في جريدة البيان بعنوان ( إضاءات من التاريخ الإسلامي في الإمارات) وغيرها.

نتائج العمل :

يستفاد من حصيلة هذه الرحلات في إصدار سلسلة أجزاء من كتب (( ذاكرة المكان في الإمارات ))

وجمعا بين الكلمة الموثقة بالروايات الشفهية والمصادر والبحث المرجعي المتاح وخلاصة الزيارات الموقعية المباشرة والمعاينة والوصف والانطباعات المكتوبة وبين المختارات الوفيرة من الصور الملونة لمعالم وعناصر الحياة وشخصية المكان وخصوصيات الموقع أو المنطقة المختارة للرحلة جغرافيا وتضاريسيا وحياة فطرية ثم تاريخيا واثاريا وتراثيا وصولا إلى المتغيرات والتطورات التنموية المعاصرة , وذلك بتجسيد معطيات الأصعدة المعيشية والحضارية المختلفة في كل موقع ومادة فان متوسط حجم الموضوع الواحد يقدر له بين 25 – 30 صفحة مطبوعة وإذا ما اقترحنا 25 موقعا مختارا جمعا بين الكلمة والصورة كمادة مناسبة للكتاب الواحد فان حجم الإصدار الواحد لسلسة أجزاء (ذاكرة المكان في الإمارات ) المقترحة ستصل إلى قرابة (750 صفحة ) جاهزة للطباعة والنشر .

توفر نتائج العمل البحث الميداني والمسح الوثائقي مواد معلوماتية ثرية عن مناطق الإمارات المختلفة المترامية الأطراف والتي تصلها هذه الرحلات .. يمكن فرزها وتكشيفها وتصنيفها وحفظها الكترونيا كمرجع وكقاعدة بيانات معلوماتية تخدم كثير من أغراض البحوث المستقبلية.

توفير أرشيف  من الصور التراثية والبيئية و الاثارية والحضارية القديمة والحديثة من الميدان عن مختلف المعالم والمناطق التي تصلها رحلات المشروع برا وبحرا وجوا مع الشروحات (كلام الصور ) .

 

 (ذاكرة البحر)

ونصوصه سلسلة حلقات صحفية نشرها الباحث على حلقات في مجلة الظفرة   وقد اختيرت لتفوز بجائزة الصحافة التخصصية ضمن جائزة الصحافة العربية لعام 2012، كما أن مجلة تراث أيضا قد سبق لها نشر حلقات أخرى من هذه السلسة قبل عدة سنوات ، إضافة إلى ما يتوفر لدى الباحث من مواد مناسبة لتطوير هذا المشروع . وتعتمد مواد هذه السلسلة على جهود الجمع والبحث الميداني والمرجعي التي توثق لكم هائل من المعلومات والصور حصيلة رحلات الباحث إلى مغاصات اللؤلؤ حول جزر أبوظبي ومرافقته لرحلات الغوص الحديثة واللقاءات الغنية بالذكريات مع الغواويص والطواويش بالإضافة للأبحاث المتعلقة بعالم الغوص وتجارة اللؤلؤ والتراث الأدبي والثقافي المرتبط بهذا العالم مما يشكل في حد ذاته كتابا مستقلا

 

جائزة الصحافة التخصصية

 

تمنح الجائزة للتحقيقات والتحليلات والتقارير التي تتناول ملفات معينة في الحقول كافة، من البيئة والصحة والطفل والمرأة والتقنية والعلوم، وغيرها من الموضوعات غير المدرجة في فئات الجائزة الأخرى وتكون منشورة خلال العام 2014، على أن تعرف الأعمال بالموضوعات والقضايا المختارة تعريفاً عميقاً وواضحاً وشاملاً، بحيث يتسنى لغير أصحاب المجال معرفة الموضوع أو القضية، بما يسهم في ثقافة أشمل ووعي أكبر. كما يفضل استخدام الصور والبيانات الدلالية التي تدعم قوة الموضوع.

المعايير:

أهمية الموضوع، دقة الجهد البحثي، سلامة اللغة العربية، أسلوب التناول، المواد المصاحبة (صور، إحصائيات، بيانات)

 

الآثار والتاريخ المبكر والإسلامي والحديث : ( تجربة التوثيق الإعلامي للباحث)

 

 

الرواة والاخباريون في الإمارات

  • نصل الآن إلى ظاهرة أساسية لا زالت تبرز بإلحاح شديد في مواجهة أي مشروع لتناول أغلب الظواهر في التراث الشعبي الإماراتي، سواء أكان أصحاب ذلك المشروع أفراداً مهتمين، أم باحثين متخصصين، أو جماعات، أو مؤسسات.

تلك هي ظاهرة اللجوء إلى الرواة والاخباريين من الآباء والأجداد المعمَّرين.. أولئك الذين كانوا رجال الفعل والتفاعل مع معطيات ومآخذ الماضي بكل صوره، وكانوا على صلة بالبيئة الاجتماعية والظروف الحضارية التي نبعت منها المادة الشعبية.

على الرغم من تفاعل فكر ومشاعر نسبة كبيرة من هذه الفئة من الجيل المخضرم مع معطيات ومشاغل شؤون الحياة الجديدة المعاصرة. إلّا أن ذاكرة الكثيرين منهم ما زالت تختزن صوراً حية لمعالم ومظاهر وتجارب وفعاليات الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية الماضية، والظروف والمعطيات والتحديات البيئية والطبيعية التي كانت تحيط بتلك الحياة.

وفي واقع شح المصادر والمراجع التوثيقية المدوِّنة لمواد التراث الشعبي الكثيفة في الإمارات خاصةً وفي دول الخليج عامةً، فإن روايات وذكريات الأجداد والآباء ما زالت تشكل مصدراً أساسياً هاماً لجمع مواد وموضوعات التراث الشعبي بمختلف مجالاتها وتنوع مشاربها.

  • وفئات المعمِّرين من الآباء والأجداد في الإمارات متعددة ومتنوعة بقدر تنوع وتعدّد واختلاف ظروف بيئاتهم الساحلية أو الزراعية أو البدوية الجبلية وغيرها، وأيضاً بقدر اختلاف اهتماماتهم المهنية والثقافية ومكانتهم الطبقية والاجتماعية في الماضي. كما أن هناك فئة من المعمرين ممن حباهم الله بذاكرة خصبة فذة، استطاعوا بها عبر مراحل حياتهم الماضية أن يحفظوا الوقائع والظواهر والأحداث ويتتبعوا تفاصيلها، ومنهم من كان متذوقاً للأشعار والقصائد الشعبية ومناسبات تنظيمها، فأصبحوا بذلك بمثابة دواوين أشعار متنقلة ومتنوعة حافلة.. ومنهم من كان حريصاً على حفظ القبائل والأنساب وتسلسلها، وهناك عدد من المعمّرين ممن قضى عدة سنوات من عمره يعمل دليلاً للباحثين الإنجليز ومرشداً لهم إلى مختلف المناطق والبقاع التي كانوا يتنقلون فيها، وراوياً لأخبارهم وتاريخها، ومحدداً لتبعيتها القبلية، وغير ذلك من المعلومات، وذلك بالأجرة والمكافأة إبان سنوات الاستعمار البريطاني في المنطقة.

ولا شك أن روايات وذكريات أغلب المعمرين تدور بالدرجة الأولى.. وبشكل تفصيلي أكثر شمولية ودقة في المجال الذي كان يعمل فيه منذ ريعان شبابه وحتى الأمس القريب، وفي الغالب تكون المهنة متوارثة أباً عن جد. وقلما كان الأفراد في الماضي يغيرون طبيعة عملهم. وإلى جانب هذا التركيز على تفاصيل وفنون المهنة وظروفها والعوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المحيطة بها.

يمكن للمعمَّرين ومن خلال الاستعراض معهم لسيرة حياتهم عبر مراحلها المختلفة منذ الطفولة وحتى اليوم أن يكونوا حالات نموذجية للمئات من الحالات الاجتماعية الأخرى من الذين كانوا يترعرعون في ظروف أسرية واجتماعية واقتصادية وثقافية مماثلة ومتشابهة بنسب كبيرة، وتتفاوت أعمار الأجداد والآباء الذي يمثلون الرواة والاخباريين لجامع مواد التراث الشعبي في الإمارات ما بين 60 - 120 سنة تقريباً، وينتشرون في مختلف أرجاء إمارات الدولة ومناطقها النائية.

وإذا كان عدد من كبار المعمّرين فيهم أصبح هذه السنين متقاعداً عن العمل وإن كان ملتزماً في الغالب بروتين حياته الأسرية والاجتماعية - باستثناء القليل العاجز - فإن الكثيرين من هذه الفئة ما زالوا يعملون في التجارة العامة الخاصة بهم، وكذلك العقارات والأسهم وأعمال عصرية أخرى، وخاصة أبناء المدن الساحلية منهم. بينما هناك آخرون من المعمرين يعملون في الحراسة «نواطير» في المدارس والمستشفيات ومؤسسات اتحادية أو محلية مختلفة قريبة من مناطق إقاماتهم.

وهناك البعض من هؤلاء المعمرين أبناء المناطق النائية منهم بصفة خاصة ما زالوا يشرفون على العمل في مزارعهم ونخيلهم الخاصة، بينما تشرف نسبة أخرى منهم على رعاية قطعان من المواشي والأبقار والإبل (ممتلكاتهم الخاصة).

وللمعمرين من الأجداد والآباء - وخاصة في المناطق النائية - ملتقياتهم ومجالسهم الاجتماعية شبه اليومية في المنازل أو خارجها أو في الهواء الطلق. وهناك أعداد من الفنانين الشعبيين كبار السن الذين التحقوا بعضوية جمعيات الفنون الشعبية والتجذيف لممارسة هواياتهم الفنية المتوارثة. ويشارك الشعراء من المعمرين في مجالس الشعراء الأسبوعية في كل من تلفزيون الإمارات من أبوظبي ودبي كلما وجهت لهم الدعوات. ومن المعمَّرين أعضاء في لجان التراث والتاريخ بفروعها المختلفة على مستوى الدولة.

  • ولا يفوتنا هنا أن نتوقف مع المعمَّرات من الجدات والأمهات اللائي يشكلن أيضاً مصادر خصبة لمواد التراث الشعبي المحلي، ولا يقتصر مخزون ذكرياتهن ورواياتهن على الشؤون الأسرية والتربوية والاجتماعية الخاصة بالمرأة.. بل يتعداه إلى مجالات تفاعل اجتماعي عام ومتنوع؛ إذ كانت للمرأة في الماضي أدوار ومساهمات في الأعمال الميدانية كالزراعة والغوص والرعي والحطابة والبيع والشراء وغير ذلك، إلى جانب مسؤولياتها المنزلية المباشرة والكبيرة، خاصة في الفترات الطويلة لغياب الرجال لرحلات الغوص أو الأسفار الخارجية أو غيرها. كما أن للمرأة اهتمامات في الطب الشعبي للرجال والنساء والأطفال. وأيضاً تعليم القرآن للصبية والفتيات وخاصة «المطوّعات» منهن.. والمرأة كانت ترسم الثقافة الأساسية للأطفال، خاصة في السنوات الخمس الأساسية من أعمارهم، وذلك عبر الحكايات «والخراريف» والمفاهيم والدروس الأولى عن الحياة من حولهم.

ولا شك أن من الجدات والأمهات من هن شاعرات وفنانات شعبيات وصاحبات هوايات واهتمامات ثقافية وفنية واجتماعية أخرى. وللمعمَّرات اليوم - وخاصة في المناطق النائية - مجالس ولقاءات شبه يومية تقريباً في المنازل أو خارجها في الهواء الطلق. وفي تلك المناطق خاصة هناك نسبة كبيرة من هذه الفئة ما زالت لهن اهتمامات بتربية المواشي والطيور، ويقمن أيضاً ببعض الصناعات اليدوية التقليدية المتوارثة المعتمدة على ما تدرّه المواشي من «الحليب»، كاستخراج السمن البلدي و«اليقط» وغيرها، وهناك أيضاً صناعات أخرى لهن كصناعة السراريد و«المغطاة» وغيرها.

ونقابل نسبة أخرى من المسنات في مراكز التنمية الاجتماعية في المدن، حيث يقمن بإنتاج صناعات يدوية متنوعة. وما زالت نسبة كبيرة منهن قائمة على تدبير شؤونها المنزلية الأسرية وهكذا.

وإذا كان الباحثون في التراث والمأثورات الشعبية من الرجال لا يجدون صعوبة كبيرة في مقابلة الراويات والأخباريات في البيئات البدوية والمناطق النائية لانفتاح المرأة هناك على المجتمع الرجالي، فإن مقابلة أعضاء هذه الفئة في المدن الساحلية أمر يستصعب بدرجة كبيرة على الباحثين من الرجال، بينما يمكن للباحثات التوفيق في هذه المهمة.

وعموماً فإن التأخير الرسمي والشعبي في الاهتمام بجمع المأثورات الشعبية وتوثيقه تَسبّب في خسارة الاهتمامات المعاصرة لعدد كبير من المعمَّرين الرواة والاخباريين والمميزين منهم خاصة الذين كانت ذاكرتهم تختزن أخباراً وعلوماً وروايات نادرة، أولئك الذين وافتهم المنية وانطوت بغيابهم صفحات كثيرة من مواد التراث الشعبي.

وإذا كانوا هم السابقين فإن البقية هم اللاحقون - مع دعواتنا لهم بعمر طويل إن شاء الله - ولذلك فإن هذه الملاحظة تلح علينا بالتوقف هنا مع ضرورة الاستعجال بل وضرورة الاستنفار العملي المسؤول على المستويات الرسمية والأهلية المنظمة المتخصصة وأيضاً التطوعية الفردية المهتمة، وذلك في سباق مع الزمن لجمع وتوثيق الذكريات والروايات المتعلقة بالتراث والمأثورات الشعبية المحلية بمختلف جوانبه ومجالاته استعداداً لدراسته وتحليله واستثماره الأمثل.

يبقى أن نشير أيضاً إلى أن بعض المعمَّرين من الآباء والأجداد يحتفظون بحوزتهم بوثائق ومستندات ومخطوطات متنوعة ذات علاقة وثيقة ببعض جوانب التراث الشعبي، وتعتبر ذات قيمة كبيرة.

ويمكن للباحثين والمهتمين بجمع تلك المواد الحصول على نسخ مصورة منها أحياناً، والاستفادة الوثائقية منها.

  • وتجدر الإشارة أخيراً إلى أن الأساليب المتبعة في دولة الإمارات العربية المتحدة بين المهتمين بجمع التراث الشعبي والرواة والاخباريين من الأجداد والآباء هي في الغالب المقابلات الفردية بين الباحث والاخباري المصدر، لمرة واحدة، أو لعدة جلسات، وإذا كان موضوع البحث مطولاً وموسعاً ومركزاً فإن الباحث يجول في هذه الحالة بين أكثر من راوٍ، ويلتقي بهم غالباً بشكل فردي، ثم يقف على نقاط الاتفاق أو الاختلاف في رواياتهم، ثم يصيغ موضوع بحثه كما يراه مناسباً.

وقد يصادف الباحث عدة رواة؛ منهم من هو متخصّص في موضوع البحث المطلوب؛ ومنهم من يلمّ بجوانب متنوعة من الموضوع، فيشترك كل أعضاء الجلسة في السرد والإضافة وتذكير بعضهم بعضاً. ومن الباحثين من يستغل المناسبات أو الاحتفالات أو المواقع التي تتعلق مادتها بموضوع بحثه، فيشارك فيها بالحضور واللقاء بالرواة والمؤدين والاخباريين الحضور والمشاركين، وهكذا. ولا نذكر ندوة أو مناسبة أو لقاء جمع نخبة من المعمرين جنباً إلى جنب مع الباحثين على المستوى الرسمي أو الشعبي لاستنباط مواد التراث الشعبي الإماراتي من هذه المصادر الشفهية، اللهم إلا مجالس الشعراء التي تعرض الجديد من القصائد لكل شاعر، ثم الاستعراضات الفنية الشعبية وبعض المظاهر التراثية التي لا زالت تحيا في المجتمع حتى اليوم. وفي شكل لقاءات ميدانية فردية مكثفة بمختلف فئات المصادر الشفهية وذكرياتها ورواياتها تميزت خلال السنوات الأربع الماضية صحيفة الاتحاد بصفحتها الأسبوعية «فنجان قهوة» التي أصبحت اليوم مرجعاً هاماً للباحثين في شؤون التراث الشعبي، كما قدم تلفزيون أبوظبي في السنوات الثلاث الماضية عشرات المقابلات المطولة مع الآباء والأجداد من خلال برامج «سوالف من الماضي»، و«شعاع من الماضي»، و«صدى السنين»، وكانت تلك المساهمات الصحفية والتلفزيونية كلها من إعداد وتقديم كاتب هذا المقال.

ويذكر في هذا الصدد أنّ هناك سلسلة من المقابلات مع كثير من المعمرين، ثم تسجيلها بواسطة مركز الدراسات والوثائق بأبوظبي وهي محفوظة في أرشيفه. ولعل لجنة التراث والتاريخ بمختلف فروعها لها أيضاً مساهمات من هذا القبيل في حوزتها.

ذلك باختصار، إذ نترك التقويم وشرح ظروف وفنون ووسائل ومميزات الأساليب المختلفة لجمع مواد التراث الشعبي إلى مناسبة أخرى إن شاء الله.

وقبل أن نختتم هذه المقدمة نقف أخيراً على ما حدّده الدكتور سعد الصويان في كتابه «جمع المأثورات الشفهية» الصادر عن مركز التراث الشعبي لدول الخليج العريب مؤخراً،.. إذ يفيدنا بقوله:

«إن جمع المادة إما أن يتم عن طريق الملاحظة أو المشاركة أو المقابلة.. وكل طريقة لها سلبياتها وايجابياتها، ويستحسن الجمع بينها، وتوظيفها جميعاً في خدمة البحث الميداني».

ويشير في موضع آخر «إلى أن التركيز على أي من الطرق الثلاث السالفة الذكر يعتمد على طبيعة المادة وهدف الباحث»، وقد وضح كل من الدكتور محمد محمود الجوهري والدكتورة علياء شكري وعبد الحميد حواس في «الدراسة العلمية للعادات والتقاليد الشعبية»: «أن المقابلة بين الجامع والاخباري تقتضي في كل الأحوال قدراً كبيراً من حسن الإدراك والتدبير، وبراعة الجامع في إجراء الحوار هي التي تفتح له مغاليق الراوي، وتجعله يهب كل ما لديه عن طيب خاطر إن لم يكن باستمتاع. فالمقابلة ليست مجرد محادثة، ولكنّها فوق ذلك حوار، ولا بد للمقابلة كي تلقى نجاحاً أن توهب الحرارة والتبادل الشخصي اللذين يوهبان للحوار، إلخ..» (ص 38 المصدر المذكور).

 

 ( روح المكان)

 

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على رسول الله المبعوث رحمة للعالمين، وبعد:  فإنه تلبية لدعوات القائد المؤسس (المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه) شغلني توجهي التخصصي الصحفي نحو توثيق التاريخ الشفهي، وذكريات الأجداد والآباء وذاكرة المكان في رحلات صحفية استكشافية توثيقية ميدانية.

لذا فإن مكونات هذه المبادرة هي رحلات ومذكرات صحفية بالكلمة والصورة تغوص في بحر الرمال وأعماق مغاصات اللؤلؤ، وتجوب بين مختارات من مناطق الظفرة لإمارة أبوظبي في محاولة لصياغة مركبة تجمع التاريخ والشخصية والمكان في جغرافية الحياة لهذه المنطقة بين الماضي البعيد والقريب وصولا إلى الحاضر وآفاق المستقبل.

و"الكلمة ، أمانة التاريخ، والحاضر، والمستقبل، والصورة فهي عملية تثبيت للزمن عند لحظة معينة، يستطيع الإنسان أن يعود إليها وقتما شاء ومهما مضى عليها من السنين، فهي لا تضلل ولا تخدع"، وذلك كما يقول الأديب والمفكر الفرنسي الكبير (أندريه مالرو).  لقد أثارت هذه الجولات السريعة في ربوع وطن المحبة من (الظفرة إلى سيفة دهان).. أثارت انتباهي وتطلعي الطموح إلى ذلك المنجز العربي التاريخي الضخم المتمثل في (شخصية مصر) لعبقري الجغرافيا العربية الدكتور جمال حمدان، وتوقفت مع ما قرأته تلك الخبرة المرجعية، عندما قال رحمه الله أن : «الشخصية الإقليمية شيء أكبر من مجرد المحصلة الرياضية لخصائص وتوزيعات الإقليم، إذ أنها تتساءل أساسا عما يعطي منطقة ما تفردها وتميزها بين سائر المناطق، والبحث في هذه الشخصية هي محاولة للنفاذ إلى (روح المكان) لإستشفاف عبقريته الذاتية التي تحدد شخصيته الكامنة».

وعليه فمن بواعث المحبة الوطنية المخلصة ومن منطلق تلك الحقائق المقررة وتماشيا مع الأهداف السامية، انطلقت هذه الرحلات في أوائل التسعينات من القرن الماضي لتوثيق ذاكرة المكان في الامارات، وشملت مختارات من مواقع دبيب الحياة والذكريات في ربوع الوطن بين البر والبحر والجبل، لتروي وترصد حكايات الحنين والحب عن الأرض والإنسان والزمان في القرى والمناطق النائية والجزر البحرية، وفي مراكز الإستقرار والإنتشار السكاني للبادية والحضر في الماضي البعيد والقريب، وفي بدايات متغيرات الحاضر الزاهر والزاخر، وبالتركيز على (الظفرة) في هذا الجزء من الكتاب فإن بقية الرحلات والمذكرات ستنشر تباعا إن شاء الله في أجزاء تالية.

وأتذكر أنني قبل الإنطلاق الميداني حرصت على التسلح بما تيسر من الجوانب النظرية متثملة في قراءة العديد من المراجع الجغرافية والتاريخية وكتب الرحالة، أبرزها كتاب ( الدراسة المسحية الشاملة للدولة والتي انجزها فريق من الباحثين في السبعينات بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لجامعة الدول العربية)، وأيضا(دليل الخليج) المؤرخ والجغرافي البريطاني الشهير «جون غوردون لوريمر المعروف اختصارا ج.ج.لوريمر» الذي وصف منطقة الخليج العربي في بداية القرن العشرين، والدليل" هو في أصله تقارير أعدها للحكومة البريطانية في الهند، وكان هو واحداً من موظفيها)، ولم يكن كتاب («الرمال العربية» للرحالة البريطاني ويلفرد ثيسجر- قد صدر بالعربية بعد، هذه الطبعة صدرت في عام 2010م بمناسبة مرور خمسين عاماً على إصدار هذا الكتاب، الذي صدر للمرة الأولى عام 1959م، والذكرة المئوية لميلاد مؤلفه.... وهو أحد الرحالة البريطانيين الكبار الذين جالوا في الأراضي العربية. لكنني كنت قابلت الرحالة في هيلتون أبوظبي— وبرفقة الزميل الصحفي الآثاري المعروف ( بيتر هيليير)، حين زار الإمارات … ، عام 199?، كما لم يكن (الأطلس الوطني للدولة قد صدرت من جامعة الإمارات بعد)،

وبين المصادر والمراجع المعنية توقفت بصفة خاصة مع (كتاب الجغرافية الطبيعية للدولة، لمؤلفه الجغرافي القدير الدكتور عبدالحميد غنيم، المنشور عام199?من دار القراءة للجميع في دبي بتشجيع من الدكتورة موزة غباش، وهو المصدر الأكثر دقة وثقة في تقديري. أسعدني الحظ للتشرف بجلسة مطولة امتدت لأكثر من 4 ساعات متواصلة مع المؤلف، وذلك في منزله بمدينة العين حيث كان أستاذا لعدة سنوات في جامعة الإمارات، بعد سنوات سابقة من العمل كمدرس للجغرافيا في المرحلة الثانوية منطلقا من مدرسة شعم بإمارة رأس الخيمة، حين وصلها من المملكة الأردنية الشقيقة، وقد ألف خلال سنوات إقامته في الدولة العديد من الكتب في فرعيات الجغرافيا المختلفة للإمارات، لعل واحد من أشهرها كتابه (الجغرافيا الطبيعية).

ولا أطيل على القارئ الكريم لكنني في هذا السياق التمهيدي النظري للعمل البحثي والتوثيقي والإعلامي كنت وما زلت مقتنعا وحريصا على البدء بالخلفيات النظرية والمعلوماتية والمرجعية قبل مباشرة العمل على مشاريع الأعمال والأفكار والتكليفات والمبادرات، تلك الخلفيات التي تنعش الوجدان وتطور الأفكار وتنير ميادين العمل والارتحال، وتثير الأسئلة الجديدة والإضافية، وتثري المواضيع وتجنب التكرار والإزدواجية وفي النهاية تقدم الجديد والمتميز والنوعي المختلف، وتضيف ما يفيد.

 

أما بعد، فلقد انطلقت الرحلة الميدانية الأولى (مساء يوم الخميس من شهر فبراير عام 1992) من موقع الصرح الإعلامي الوطني العملاق في قلب العاصمة أبوظبي.. من مبنى (مؤسسة الاتحاد للصحافة والإعلام والنشر)- حسب التسمية حينها، وكانت شمس ذلك اليوم قد أخذت تميل إلى جهة الغرب، بينما الغالبية العظمى من حركة السير والمرور كانت متجهة نحو مرافئ الاستقرار ومأوى السكينة والهدوء المنزلي الخاص، أما نحن فقد جذبتنا معها أشعة الشمس الذهبية ساعة الغروب إلى أقصى الطرف الغربي لإمارة أبوظبي، ولطالما أن أرض الخير ومعطيات التنمية العصرية الحكيمة والسخية جعلت طريق مسيرتنا ميسرا سالكا آمنا مضيئا ممتدا نحو الأمام على امتداد البصر وآفاق العمل والأمل، إذن فلتأخذنا أجنحة هذه الرحلة الاستكشافية الشغوفة الأولى إلى أقصى الأبعاد في هذا الاتجاه، وبالفعل كذلك كانت مسيرة الرحلة الأولى على بعد 350 كيلومترا من نقطة الانطلاق، لتشرق علينا شمس صباح الحركة والبحث والعمل والأمل في آخر منطقة حدودية خلف مجمع (منفذ السلع الحدودي)، وعلى بعد كيلومتر واحد من مركز (البطحاء)السعودي.

ثم ليدفعنا ذلك الشروق إلى الشرق والاتجاهات الأخرى المترامية الأطراف، نمسح برحلتنا مناطق وقرى صحراوية حدودية أخرى من (أرض المجن) وصولا إلى السلع القديمة والحديثة وبعيا السلع، وكذلك المواقع البرية والساحلية القريبة منهما (كالشبهانة) و(رأس غميص) وغيرها.

وإذا كانت تلك الرحلات الأولى قد سعت لتغطي قدر المستطاع بالكلمة والصورة كل تلك البقاع التي أمكننا الوصول إليها خلال الأيام الثلاثة القصيرة لرحلتنا تلك، فإن الرحلات اللاحقة جالت بين البر والبحر في مناطق ومواقع أخرى من (الظفرة) مرافقين أبناء البادية هناك وراصدين لذاكرة المكان والإنسان عن رحلة الحياة لتحدي عوامل الطبيعة الصعبة وقلة الموارد، وموثقين ابداعه في طرق الحصول على الرزق ودورة الحياة بين البادية والبحر بمختلف جوانبها، ومواكبين لمسيرة التغيير الذي أدخله اكتشاف النفط وعمل شركات البترول في حياة أبناء الظفرة، الذين يروون عن كيفية تكيف الإنسان مع المتغيرات وآثار التحول إلى الحداثة وتسكين البدو، مركزين على الإنجازات الضخمة التي تحققت منذ بداية عهد المغفور له الشيخ زايد في العام 1966م، وتعتمد مادة الكتاب على حوارات مطولة وموسعة مع الرواة من أبناء المنطقة بين البادية والبحر إضافة إلى الإستعانة ببعض المراجع والوثائق.

ومن البر إلى البحر فإن القارئ سيرحل في هذا الإصدار إلى (مغاصات دلما القديمة والجزر اللؤلؤية) حولها، وإلى بيئة الأعماق البحرية المثيرة في المياه الإقليمية لإمارة أبوظبي خاصة، حيث رافقت فيها بعضا من رحلات  الغوص الحديثة والاهتمامات والرحلات المعاصرة التي استجدت  بعد هجرة هذه المهنة العريقة كليا في الخمسينات من القرن الماضي للتوثيق الميداني، كما يصغي القارئ لذاكرة الأدب والوثيقة التاريخية والتراثية من أعماق عالم الغوص العريق، وبذلك فإن هذه المحاولة (الصحفية) البحثية التوثيقية - المطورة والمنقحة والمدققة ستكون رحلة مع التاريخ والبيئة، والثروة الطبيعية الفريدة والمتنوعة في حضن الخليج العربي الدافئ وأعماقه المالحة الثرية، فلقد ارتبط إنسان المنطقة بهذا الذراع البحري منذ آلاف السنين، واعتمد عليه في معيشته اليومية وخبر الكثير من طباعه وأسراره وتحدى بفنونه وابتكاراته وخبراته المعرفية المتوارثة كل أهواله وتقلباته وانتزع الرزق الحلال من قعره ولازال، ومع صفحات هذا الكتاب  في أعماق حقول إنتاج محار اللؤلؤ وأعماق ذاكرة الزمن والأجيال ووثائق التاريخ وعراقة التراث الحافل بالأخذ والعطاء من ماضي العمر المديد لعلاقة الأجداد والآباء بالبحروالغوص على اللؤلؤ الطبيعي، تصل الرحلة إلى المواقع التي لا تحصى من مغاصات اللؤلؤ مبحرة إلى تلك "الهيرات" بالعلامات الطبيعية والتقديرات الفلكية بدون بوصلة ولا خرائط قبل أن يعرف الأجداد والآباء “الناليات" الشهيرة والمؤلفات الملاحية القديمة والحديثة مستخدمين "البلد" و"السبحة" لمشاهدة قاع البحر ولتمييز الأعماق، ونفرد بين طيات هذا  الكتاب أشرعة ذاكرة البحر لنتعرف على مواقع تلك المغاصات وأسمائها القديمة والتقسيمات العرفية لها نزولا مع «الغواويص» إلى « الهيرات والنيوات والتباري» وأعماقها وتضاريس الأقواع وصولا إلى الأشجار والنباتات البيئية ومنها (المحار) خاصة، والحيوانات والأحياء البحرية وفي مقدمتها (اليرايير) أسماك القرش المفترسة، ومع رحلات الغوص الحديثة إلى الأعماق والجزر نستكشف أحوال المغاصات والمتغيرات البيئة والإنتاجية لها هذه السنين، وفي سياق هذه الرحلات نتعرض لملامح أدبية من ذاكرة ماضي حياة الغوص البعيد إلى الأمس القريب، وصولا إلى رحاب الحاضر وآفاق المستقبل الوفير بالمزيد من حصيلة لآلئ الأعماق.

والحقيقة إن مثل هذه المبادرات والجهود العاملة على توثيق التراث والتي تعتمد بدرجة أساسية على الكنوز البشرية الحية والرحلات الميدانية هي خير ما يهديه جيل اليوم إلى أجيال المستقبل المشرق من بنات وأبناء هذا الوطن الغالي  إنها تنقل لهم ملاحم من السيرة العطرة لحياة الأجداد والآباء لإرتشاف رحيق الأصالة، وليغمر أيامهم عبق التراث الوطني والمأثورات والثقافة الشعبية، وبعض عصارة ماضي حياة الحل والترحال في مجتمع الإمارات القديم، والتي ترسم ملامحها الروايات التاريخية الشفهية من ذاكرة (فرسان البر، و يرايير الأعماق) خبرا وعبرا ودروسا وحلقة وصل إنسانية وطنية ثقافية بين الأمس واليوم والغد، جيلا بعد جيل في رحابة حضن الدفء والحب والحنان والأمن والأمان والخير والعطاء (دولة الإمارات العربية المتحدة) بجذورها وآفاقها الإسلامية العالمية والإنسانية منذ القدم وبقلوب أبنائها الرحيمة والكريمة وعقولهم الحكيمة، متسلحين بالإيمان واليقين والتوكل على الله، متحلين بالصبر والحلم والعلم وعراقة خبرات الحياة من ينابيع تاريخ المكان والإنسان والزمان وحفاوة تراثه العريق.

 

ويأتي نشر هذه الرحلات في كتاب من اصدارات دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي ممثلة في قطاع دار الكتب، تعبيرا عن إدراك الدائرة، بأن هذه المسئولية جزء من أمانة الوطن في أعناق أبنائه ومؤسساته، ليس احتفالا بالماضي القريب أو البعيد أو السحيق، ولكن لبناء مرجعية علمية تسهم في تطوير منهجيات الإعلام والتعليم والسياحة والثقافة والبيئة في الدولة، ولما كان هذا الإصدار يأتي ضمن سلسلة اصدارات إدارة البرامج والنشر عن (منطقة الظفرة) في (عام زايد 2018) فإنه يقدم العديد من الدلالات على عمق التحول المدني والحضري والحضاري الذي تعيشه دولتنا عامة وإمارة أبوظبي ومناطقها المترامية الأطراف خاصة، تلك التي لم تكن لتنهض دون حكمة القيادة ورؤيتها الثاقبة، وصمودها على تحديات الزمن، وقهر الصحراء والبحر، ودون وحدة الشمل وتضافر الجهود، لتشع (الظفرة) بالأنوار وهي ترفل برغد العيش للإنسان والحيوان والنبات، شامخة بالعمران والحضارة والخيرات، ومع كل نفس تستنشفها أو تنبض بها الحياة هنا، فهي تترحم على روح القائد والباني والزارع زايد طيب الله ثراه.

 

 

================================================

 

المشهد التوثيقي : 

انعكس الإهتمام الخاص الذي أولته القيادة الرشيدة للمحافظة على التراث الشعبي بعناصره المادية والمعنوية، زيادة ملحوظة في الجهود المؤسسية والفردية، جمعا، وتوثيقا، واحياء، ونشرا، وذلك على مستوى دولة الإمارات عامة وإمارة أبوظبي خاصة.

أثمرت هذه الجهود عن اصدارات ومشاريع بحثية في حقول التراث الشعبي المختلفة سلطت الضوء على أغلب جوانب التراث الشعبي المادي والمعنوي.

كانت دائرة الثقافة والسياحة رائدة في مجال إنتاج المحتوى النوعي والتخصصي في مجالات المعرفة الوطنية المختلفة خاصة التاريخ الحضاري والتراث والأدب الشعبيين.

تتسم الجهود المؤسسية في مجال الجمع والتوثيق والنشر وبرغم -غزارة الإنتاج- بالتخصصية والأكاديمية في اسلوب تقديم المحتوى، مع وجود محاولات جادة للتوثيق الميداني تركزت في أغلبها على الجمع والأرشفة.

نتج عن هذا الحرص الرسمي والأهلي والتطوعي وجود نوع من التكرار والإزدواجية في المشاريع والمخرجات، وذلك مع ملاحظة عدم التطرق الكافي إلي حقول وأغراض معرفية كثيرة لم تنل حظها من الجمع والدراسة واعداد المحتوى المبتكر مثال (ذاكرة المكان) و( الرواد)  و(التنوع الثقافي لمجتمع الإمارات).

تجدر ملاحظة أن المؤسسات العاملة في مجال جمع وتوثيق التراث غدت تعتمد على آلية علمية وفرق عمل ثابتة ومدربة تهدف تحديدا إلى جمع وأرشفة الروايات الشفهية كقاعدة بيانات، ولا يعتبر النشر والإصدارات غاية منشودة كما يبدو، وذلك بخلاف قطاع دار الكتب في الدائرة.

يبرز اعداد ونشر المحتوى الإلكتروني كأحد أهم الوسائل لنشرا المعرفة، خاصة بين جيل الشباب، ورغم مواكبة بعض المبادرات الفردية والمؤسسية لهذا الإتجاه إلا أن غالبية المؤسسات العاملة في هذا القطاع لازالت تعتمد الكتب المطبوعة كوسيلة أساسية للنشر.

يهتم برنامج (المعرفة الوطنية) – أو (المعرفة والثقافة الوطنية) –  بجمع وتوثيق ونشر جوانب المعرفة الوطنية المختلفة ، والتعريف بها للأجيال الصاعدة من الشباب الإماراتي والعربي من خلال الإصدارات المطبوعة والإلكترونية واستخدام الوسائط المتعددة ، ويهدف البرنامج إلى خدمة (رؤية أبوظبي 2030) و(رؤية الدائرة الاستراتيجية) وذلك عن طريق ابراز الارث الحضاري والخصوصية الثقافية المميزة لإمارة أبوظبي ودولة الإمارات بشكل عام والسعي نحو كشف جوانب جديدة من التراث المادي والمعنوي والمخزون المعرفي (لذاكرة المكان والإنسان) تسهم في اثراء المنتج السياحي للإمارة ورفد المنظومة القيمية التي تسعى الدولة إلى بناء وتصدير نموذجها العالمي من خلالها.

يسعى البرنامج ومن خلال فريق عمله المكون من باحثين وكتاب ذوي الرصيد الإنتاجي والخبرة الميدانية طويلة المدى، وبالتعاون مع المجتمع البحثي والأكاديمي والمواهب والإهتمامات الشابة إلى التركيز على جوانب معرفية وطنية منتقاة تهتم (بالتراث، والثقافة الشعبية، وذاكرة المناطق والبيئات، والجغرافيا الطبيعية والبشرية، والأدب الشعبي، وسير الرواد قديما وحديثا، وغيرها من حقول المعرفة والثقافة الوطنية)، مراعيا في  ذلك شكل ومضمون المخرجات وطبيعة الجمهور المستهدف وخاصة فئة الشباب الأكثر تعطشا إلى جدة وسلاسة وتنوع الإنتاج.

مواكبة لمساعي الدائرة لتحقيق الكفاءة الإنتاجية، فإن البرنامج سيعمل على الإسهام في رعاية جيل جديد من الباحثين في مجالات الثقافة الوطنية المختلفة، من خلال (برامج تدريبة ميدانية وتطبيقية) اضافة إلى التوجيه والإشراف في مختلف مراحل الإنتاج ونشر ما يناسب من المخرجات.

يتكامل دور البرنامج مع الإدارات الأخرى لقطاع دار الكتب وذلك من خلال (خدمة رواد ومستخدمي المكتبات) كما يخدم البرنامج من خلال باحثيه كافة قطاعات الدائرة من خلال (تقديم الاستشارة والمساعدة المرجعية، ومراجعة المحتوى الثقافي الوطني)، للإصدارات والإرشاد إلى المصادر الميدانية والمرجعية عند الطلب.

 

المعرفة الوطنية :

هي كل ما يمكن استخلاصه من معارف حوتها ذاكرة المكان والإنسان عبر الزمن والأجيال من العمق البعيد إلى آفاق المستقبل.

المعرفة الوطنية منظومة متكاملة من المعلومات والخبرات والفنون والتجارب اختزنت في ذاكرة المكان والإنسان في دولة الإمارات عبر الزمن والإجيال، وتشكل رصيدا متفردا  يمثل هذا الكيان، ويصنع  صبغتها المميزة .

لا يرتبط  مفهوم واطار المعرفة الوطنية بحقل محدد من حقول المعرفة، ولا بزمن محدد، فكل ما يمكن اعتباره سمة مميزة لإمارة أبوظبي أو الإمارات منذ حضارة ماجان وثقافة أم النار، وحتى بناء المفاعل النووية في ( براكة) يعد معرفة وطنية. 

يعد مفهوم المعرفة الوطنية (الحديث نسبيا) الإمتداد الطبيعي لإهتمام القائد المؤسس الشيخ زايد – طيب الله ثراه - بتعريف كل مقيم على هذه الأرض بما يحمله كل شبر على هذه الأرض من ارث حضاري وبما طوره واتصف به كل من أقام على هذه الارض من قيم وعادات وتقاليد وفنون وممارسات حافظت على إصالتها ماضية نحو آفاق المستقبل الرحب.

كما يمكّن التوجه نحو توثيق ونشر المعرفة الوطنية من التوسع نحو تغطية حقول معرفية جديدة لم تنل حظها بعد من الجهد البحثي كتوثيق مسيرة النهضة المباركة التي شهدتها الدولة، والخصوصيات الجغرافية لمناطق الدولة المختلفة، ونقاط الجذب السياحي الثقافية والبيئية، وتاريخ المهن والحرف والأعمال المختلفة في الدولة بين الماضي والحاضر.

يسهم نشر المعرفة الوطنية في تعزيز قيم الولاء والإنتماء والفخر لدى المواطنين والمقيمين في الدولة  وتحصين أجيال الحاضر والمستقبل من أي هجمات معلوماتية مغرضة، والمغالطات، وخاصة عبر الوسائل  الالكترونية.                        

 ومن خلال الغوص عميقا في تاريخ وبيئة الوطن يمكننا العثور على درر حضارية يمكن تعريف العالم بها لكي تزيد في رصيد الدولة الحضاري والبيئي والسياحي.

المعرفة الوطنية جماهيرية الطابع تستهدف ايصال المعلومات بأكثر الأساليب جذبا وتشويقا وبأقرب عبارة إلى المتلقي المستهدف.

بإعتبار تنوع الثقافات واللغات للمقيمين والزوار للدولة، ولكون إمارة ابوظبي تستهدف إيصال رسالتها والترويج لنموذجها الثقافي ومقوماتها السياحية حول العالم فإن نشر المعرفة الوطنية لابد وأن يتم بأكبر عدد ممكن، وبوسائط متعددة.

 

حقول المعرفة الوطنية التي سيركز عليها البرنامج:

 

مع تشعب هذه الحقول ماضيا وحاضرا ومستقبلا وأخذا في الإعتبار خصوصيات الدائرة وخبرات واهتمامات الباحثين فإن البرنامج سيستهدف الحقول والمجالات التالية للمعرفة الوطنية بفروعها المختلفة لتتحول إلى مبادرات ومشاريع معرفية ومنها:

(الآثار والتاريخ المبكر للدولة، ذاكرة المكان والجغرافيا الطبيعية في الإمارات، البيئة والحياة الفطرية في منطقة العين والثروة النباتية والحيوانية وعلاقة الإنسان بها- المنظومة القيمية والتربية الأخلاقية الإماراتية،  المتعقدات والمعارف الشعبية، اقتصاديات الإمارات (الأنشطة الإقتصادية والمهن والحرف في أبوظبي والإمارات قديما وحديثا)- توثيق سير ومسيرة الرواد، التاريخ الرياضي في أبوظبي والإمارات، الحياة الثقافية والأدب الشعبي، التراث الشعبي المادي والمعنوي، الرحالة وأدب الرحلات ،توثيق مسيرة النهضة والمشاريع التنموية وتاريخ العمل الحكومي في أبوظبي والدولة – ظواهر وخصوصيات محلية مناطقية – المرأة والأمومة والطفولة والأسرة، المخزون السياحي لإمارة أبوظبي وخاصة في الجانب الثقافي والبيئي، الجزر والحياة البحرية وعلاقة الإنسان بالبحر قديما وحديثا، قصص نجاح فردية ومؤسسية في إمارة أبوظبي قديما وحديثا، مسيرة العمل الإنساني والمسؤولية المجتمعية في أبوظبي بين الماضي والحاضر، الفنون الشعبية وتوثيق الذاكرة الفنية بمختلف أشكالها وفروعها قديما وحديثا).

 

الجمهور المستهدف:

إضافة إلى الفئات المستهدفة الحالية ( الباحثين - الأكاديمين - القراء ذوي الإهتمام والمعرفة المسبقة)، وخاصة في حقول المعرفة الوطنية المتعلقة بالتراث والأدب الشعبيين، فإن البرنامج سيضع نصب عينيه توسيع نطاق الجمهور المستهدف بالإصدارات والمشاريع المعرفية الأخرى لتخاطب فئات جديدة منها على سبيل المثال لا الحصر :

 فئة الناشئة والشباب - ( ١٥-٣٥) سنة من المواطنين والعرب المقيمين في الإمارات وذلك بهدف ايصال المعلومة المباشرة والمبسطة ، واكسابهم أساسيات المعرفة الوطنية الأصيلة، وإثارة شغفهم نحو البحث المعمق في تلك الحقول.

جمهور القراء بمختلف أعمارهم في مختلف دول الوطن العربي ، إضافة إلي العرب خارج الدول العربية وذلك مساهمة في الجهود الدبلوماسية الثقافية المكثفة لدولة الامارات وتعزيزا للمعرفة حول الجذور الأصيلة لنموذج الإمارات القدوة، وأسسه الراسخة عبر التاريخ.

المقيمين والزوار والسواح من غير العرب والجمهور العالمي العريض في الدولة وخارجها، وخاصة في الدول ذات الأهمية الإستراتيجية مع الدولة مثال ( الولايات المتحدة -الصين - الهند- كوريا).

 

برنامج المعرفة الوطنية - نحو ابتكار انتاجي:

يستهدف البرنامج بناء قدرات جديدة تمكن من ايصال المحتوى المعرفي عبر وسائط وأساليب جديدة، فبالإضافة إلى (الكتب الورقية) يستهدف البرنامج تنويع المخرجات لتشمل :

الكتيبات والمطويات والمنشورات التعريفية المصورة.

بنك حقائق للإستخدام السريع في وسائل التواصل.

كتب مسموعة وتسجيلات حوارية مع رواة ( نموذج مع الرواد في ذاكرة الزمن - ع.ع / نشر دار الكتب ٢٠١٣).

أفلام ومقاطع فيديو قصيرة مختارة ضمن نطاق المبادرات المعرفية (نموذج قناة يوتيوب للشعر-  تجربة د. حماد الخاطري).

محتويات الكترونية وعروض منتقاة ومختصرة من نتاج المبادرات المعرفية قابلة للنشر والتبادل عبر الإنترنت.

مشاريع مرجعية ورقية والكترونية ذات منهجية معجمية أو موسوعية.

مشاريع ذكية وتفاعلية مبتكرة تعتمد على الإثراء الجمعي عبر تفاعل المستخدمين، مثال (الخارطة الحضارية التفاعلية لإمارة أبوظبي).

 

 

 

التوثيق (بالإنجليزية: documentation) هو مصطلح بأكثر من معنى، أما الأكثر شيوعا فهي:

 

مجموعة من الوثائق الورقية، أو المنشورة على الإنترنت، أو على وسائل رقمية أو تناظرية، مثل شريط صوتي أو على أقراص مدمجة.

عملية توثيق المعرفة، كما هو الحال في المواد العلمية.

عملية توفير الأدلة.

كتابة وثائق منتج ما، مثل وثائق البرنامج.

مرادف لمصطلح مستند.

مرادف لمصطلح ببليوجرافيا.

مجال دراسة ومهنة أسسها بول أوتليت (1868-1944) وهنري لافونتين (1854-1945)، والذي يسمى أيضا علم التوثيق. ويسمى المهنيين المتدربون في هذا المجال الموثقين. في عام 1968 تغيير اسم هذا المجال بعلم المعلومات، ولكن استخدام التوثيق لا يزال ساريا وهناك جهود لإعادة التوثيق كمجال دراسي.

تعريف التوثيق

عرف العلماء التوثيق تعريفات عديدة منها

هو علم من علوم التاريخ لحفظ المعلومات وتنسيقها وتبويبها وترتيبها وإعدادها لجعلها مادة أولية للبحث والفائدة وهو علم مهم لحفظ النتاج الإبداعي الإنساني.

هو حفظ الأحداث التاريخية والمعلومات العلمية ونقلها من الماضي إلى الحاضر ثم إلى المستقبل وإلى الأشخاص الذين يمكنهم الاستفادة منها و ينطبق هذا على التناقل الشفاهي للمعلومات والمعارف والمهارات .

هو علم السيطرة على المعلومات التي يمكن أن تتضمن الوثيقة و الكتاب و الصورة والتسجيلات الصوتية والفيديوية والنصوص الإلكترونية و العمليات الفنية التقليدية كالتجميع والاختزان والفهرسة والتصنيف.

أنواع الوثائق

الكتابية : كالمخطوطات و المطبوعات و الصحف و التقارير و البيانات و المذكرات و الكتب.

التصويرية : وهي على الغالب رسم بالزيت أو بالفحم أو نقش على الحجر أو تكوين في الجص أو تنزيل بالخشب ...و ربما كانت الصورة شمسية أو سينمائية أو تلفازية.

الوثيقة السمعية أو المرئية: هي في الغالب تسجيلات صوتية أو إذاعية أو تسجيل إسطواني أو شريط سينمائي ناطق.

 

أهمية التوثيق

هو الركيزة الحقيقة التي يعتمد عليها الباحثون في البحث عن الحقيقة

ذاكرة الأمة المضيئة اليقظة الحصينة التي لا يدركها النسيان

حلقة وصل متينة تصل حاضر الأمة بماضيها

شاهد حي على نضال الأفراد و الجماعات و المنظمات و الحكومات و الدول التي تعاقبت منذ فجر التاريخ

نعرف به مدى التطور الذي حصل في المجتمع في جميع مفاصل حركته في ذلك الزمن الماضي

هو المستند الصحيح المُحكم المؤكد يؤخذ به على وجه الدقة و الصحة و الواقع و الحقيقة كما كانت و كما هي

يسهل تنفيذ الأنشطة الشبيهة و ينبه إلى أهمية الأمر و يركز عليه لأنه يوفر المعلومات المناسبة للمستفيد منه فتتكون عنده سرعة الإحاطة بالمعلومات لتقديمها بأكثر الأشكال ملاءمة.

| بواسطة:

إضافة تعليق

الخبر التالي

‫مدينة عجمان الاعلامية الحرة تطلق مشروع مختبر الإعلام كمنصة جديدة ‬