حكم المُقاصة في الإسلام

التاريخ : 2021-01-08 (02:34 PM)   ،   المشاهدات : 1369   ،   التعليقات : 0

حكم المُقاصة في الإسلام

ورد في اللغة العربية قاصّ يقاصّ مُقاصّة ومعناها المساواة، والأصل قاصص يقاصص مقاصصة، على وزن فاعل يفاعل مفاعلة، فالفعل في مفهومه الصرفي للمشاركة مثل قاتل يقاتل مقاتلة، وبادل يبادل مبادلة، فقاصّه في اللغة مُقاصّة أي كان له دين مثل ما على صاحبه، فجعل الدين في مقابل الدين.

والمقاصة عند الفقهاء هي إسقاط دين مطلوب لشخص على غريمه في مقابلة دين مطلوب من ذلك الشخص لغريمه، وقد عرفها ابن جزي المالكي في القوانين الفقهية ص 297 بأنها اقتطاع دين من دين، وفيها متاركة ومعارضة وحوالة.

وعرفها ابن القيم بأنها سقوط أحد الدينين بمثله جنساً وصفة، انظر إعلام الموقعين ج1 ص 321.

ويلاحظ أن بين المُقاصة وبين الحوالة وبين الإبراء صلة، حيث إن في كلّ من الثلاثة نقل دين أو حقاً كان في ذمة آخر، إلا أن الفارق بين الثلاثة أن الحوالة نقل دين فقط وليس إسقاط دين كالمقاصة، والمقاصة فيها إسقاط بمثله وبعوض، في حين أن الإبراء وإن كان فيه إسقاط دين إلا أنه من غير عوض.

والمُقاصة في الشرع مشروعة للحديث الوارد عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وأخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة، فقلت: يا رسول الله رويدك أسألك إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء، (رواه الخمسة أحمد وأصحاب السنن الأربعة).

يقول الفقهاء: يفهم من هذا الحديث جواز استبدال ثمن المبيع الذي يكون في الذمة بغيره، لأن المشترك بين الدينار والدرهم مثلاً المالية، فالأموال كلها جنس واحد.

ويذكر الزركشي في كتاب «المنثور في القواعد ج1 ص391» أن المقاصة لا تتصور في الأعيان والمثليات، لأنها تأخذ شكل المعارضة، ولكن يمكن أن تكون في الديون الثابتة في الذمة أي بين دينين نقديين.

ثم ذكر شروط المقاصة عند الشافعية وهي:

1- أن يكون الدَيْن في الديون الثابتة في الذمة.

2- أن يكون في الأثمان لا المثليات.

3- أن يكون الدينان مستقرين كأن لا يكونا سَلمين.

4- أن يتفقا في الجنس والنوع والحلول والأجل، كأن لا يكون أحدهما دراهم والآخر دنانير.

5- أن يكون بعد طلب أحدهما من الآخر.

6- أن لا يكون مما ينبني على الاحتياط كالأموال العامة لأهل الإسلام.

7- أن لا يكون في قصاص ولا حد.

والمُقاصة قسمها الفقهاء إلى جائزة وغير جائزة، والجائزة إلى جبرية وهي التي تحدث بين دينين متماثلتين جنساً وصفة وقدراً وحلولاً وتأجيلاً، ولا تحتاج إلى رضا الطرفين ولا طلب أحدهما، واختيارية اتفاقية تتم بتراضي الطرفين، كما يقول الدكتور وهبة الزحيلي في موسوعته نقلاً عن الدر المختار ج4 ص250 وكتاب الأم ج7 ص388 وما بعدها، وغاية المنتهى ج2 ص114.

والمُقاصة غير الجائزة هي التي ينقصها شرط من الشروط أو يترتب على وقوعها محظور شرعي، كأن توجد فيها شبهة الربا مثلاً، فإنها غير جائزة عندئذ، لأنها قرض جرّ نفعاً باتفاق الأئمة.

والمقاصة إذا وقعت صحيحة، فإنه يراد منها إسقاط بعِوَض، أي أن كلاً منهما يسقط دينه عن الآخر، ولذلك فإنها أشبهت الإبراء من جهة، وقد قالت المالكية بأنها معاوضة وإبراء.

وبالمقاصة يسقط الدينان عند الجمهور، وتبرأ الذمم براءة كلية، وعند الأحناف تسقط المطالبة بالدين، لكن ذمته تبقى مشغولة بالدين حتى الإبراء (انظر موسوعة الفقه الإسلامي للزحيلي ج5 ص384).

| بواسطة:

إضافة تعليق

الخبر التالي

الإنفاق المدروس.. تصويب فرضه «كورونا»